سنوات الشهرة. كان شكسبير منهمكًا تمامًا في عالم المسرح في لندن في الفترة ما بين 1594 و1608م؛ إذ كان يكتب لفرقته رجال اللورد تشامبرلين مسرحيتين في العام، إضافة إلى قيامه بمهامه ممثلاً ومساهمًا في الفرقة. وعُدّ شكسبير إبّان تلك الفترة أشهر كتّاب المسرح في لندن استنادًا إلى عدد المرات التي عُرِضَت فيها مسرحياته أو نشرت. واعتمدت شهرة شكسبير في تلك الحقبة على شعبيته بوصفه كاتبًا مسرحيًا أكثر من كونه كاتبًا عبقريًا ليس له مثيل.
أصبح شكسبير مشهوراً بحلول نهاية تسعينيات القرن السادس عشر الميلادي، في وقت لم يكن قدكتب فيه معظم مأساوياته العملاقة من أمثال هاملت؛ عطيل؛ الملك لير؛ ماكبث. وبحلول نهاية القرن السادس عشر الميلادي، أصبح شكسبير رجل أعمال ثريًا إضافة إلى كونه كاتبًا مرموقًا. ففي عام 1597م، اشترى أحد أكبر بيتين في ستراتفورد، كان يطلق عليه اسم المكان الجديد. ومن الواضح أن شكسبير ظل شديد الولاء لستراتفورد بالرغم من حياته الناجحة والنشطة في لندن. وتدل وثائق المعاملات التجارية والقرارات القضائية على أن شكسبير استثمر معظم أمواله في ستراتفورد لا في لندن.
مسرح جلوب. تملّك شكسبير، وستة من رفاقه عام 1599م، مسرح جلوب، وهو مسرح مفتوح يقع في ساوثوارك، إحدى ضواحي لندن، ويُعد من أكبر مسارح منطقة لندن، إذ يتسع لثلاثة آلاف متفرج. وفي العام نفسه، قام الناشر وليم جاجارد بنشر مجموعة الرحالة، وهي كتاب يضم عشرين قصيدة يُفترض أنها من تأليف شكسبير. لكن الكتاب لا يحتوي إلا على اثنتين من سونيتات شكسبير (وهي قصائد مكونة من أربعة عشر بيتًا)، وثلاث قصائد من ملهاته خاب مسعى الحب. أبرز الناشر اسم شكسبير على صفحة الغلاف ليروج الكتاب، مما يدل على شهرة الكاتب في تلك الفترة.
فرقة رجال الملك. في سنة 1603م، أصدر الملك جيمس الأول مرسومًا ملكيًا يسمح لشكسبير ورفاقه بتسمية فرقتهم فرقة رجال الملك. ومقابل هذه المنحة قدمت الفرقة العروض بشكل شبه منتظم في البلاط، للترويح عن الملك.
حققت فرقة رجال الملك نجاحًا منقطع النظير، وصارت الفرقة المسرحية الأولى في لندن. ففي عام 1608م، استأجرت الفرقة لمدة واحد وعشرين عامًا مسرح بلاك فرايرز، الذي يقع في منطقة مأهولة بالسكان تعرف بالاسم ذاته أيضًا. كان هذا المسرح مزودًّا بإضاءة شديدة وبالتدفئة أيضًا. استعملت الفرقة هذا المسرح لتقديم عروضها في الشتاء، بينما كانت تقدم عروضها الصيفية في مسرح جلوب.
كانت الفترة بين عامي 1599 و 1608م فترة نشاط أدبي استثنائي بالنسبة لشكسبير. فكتب العديد من المسرحيات (الكوميدية)، ومعظم المسرحيات التراجيدية التي كانت مدعاة لشهرته. تتضمن قائمة الروائع التي كتبها في تلك الفترة مسرحيتي ضجة حول لا شيء؛ الليلة الثانية عشرة؛ والمسرحية التاريخية هنري الخامس؛ مأساة أنطوني وكليوباترا؛ هاملت؛ يوليوس قيصر؛ الملك لير؛ ماكبث؛ عطيل.
السوناتات. قام ناشر من لندن يدعى توماس ثورب بنشر كتاب بعنوان سوناتة شكسبير عام 1609م، يحتوي الكتاب على ما يربو على مائة وخمسين قصيدة كان شكسبير قد كتبها خلال حياته، ومازال الدارسون في حيرة من أمرهم إزاء الإهداء الذي قدّم ثورب به الكتاب، والذي يقول: "إلى منشئ السوناتات الوحيد السيد و.هـ". لقد فشل الباحثون على مرّ الأجيال في تحديد هوية السيد و.هـ . وحلل النقاد السوناتات لدراسة إمكان الجزم بمدى ارتباطها بالسيرة الذاتية، بينما اقترح كثير من النقاد على القراء الاستمتاع بهذه القصائد كمقطوعات من أروع ما كُتب في الأدب الإنجليزي بدلاً من التدقيق فيها باعتبارها تنم عن حياة الكاتب.
[align=center:ca3ad80c56]السنوات الأخيرة من حياة شكسبير[/align:ca3ad80c56]
كتب شكسبير خلال السنوات الثماني الأخيرة من حياته أربع مسرحيات فقط هي: سيمبلين؛ هنري الثامن؛ العاصفة؛ حكاية الشتاء. اعتقد النقاد في الماضي أن مسرحية العاصفة التي كتبها شكسبير عام 1610م هي آخر أعماله الأدبية، وكتبوا أنه تقاعد في ستراتفورد بعد ذلك بشكل شبه كلي. لكنه يرجح أن تاريخ مسرحية هنري الثامن يعود إلى عام 1613م، إضافة إلى أن شكسبير اشترى بيتًا في منطقة بلاك فرايرز في العام نفسه، مما يدل على أن شكسبير لم ينه نشاطه في لندن فجأة، بل قام بذلك تدريجيًا.
ولابد أن شكسبير كان قد قسم وقته بين حياته الخاصة في ستراتفورد وبين حياته العامة في لندن. فكان له بيوت في لندن حتى عام 1604م ، وربما حتى عام 1611م، لكن بعض الأحداث العائلية، مثل زواج ابنته سوزانا عام 1607م، ووفاة والدته عام 1608م، قد استدعت عودته إلى ستراتفورد. ومن المرجَّح أنه كان يقضي معظم وقته بعد عام 1612م، متنعمًا برفاهية بيته في ستراتفورد. مات شكسبير ، ودفن داخل كنيسة أبرشية ستراتفورد.
توفي ابنه هامنت عام 1596م، وهو في الحادية عشرة من عمره، أما ابنته سوزانا، فكانت لها طفلة واحدة اسمها إليزابيث. ولم تنجب الأخيرة أطفالاً، في حين أنجبت جوديث (ابنة شكسبير)، ثلاثة أطفال ،توفوا قبل موتها هي. أما حفيدة شكسبير الوحيدة التي عاشت من ذريته، فقد تُوفيت عام 1670م.
[align=center:ca3ad80c56]معارضو الستراتفوردية[/align:ca3ad80c56]
اختلطت الحقائق عن حياة شكسبير على مر السنين بحكايات عدَّة ، أساسها الشائعات والأساطير. وافتتن الناس بشكسبير في القرن التاسع عشر الميلادي، بشكل خاص، مما أدى إلى وجود توجهات خارجة على المعقول نحو الكاتب وكتاباته، ترفعه إلى رتبة تصل إلى التقديس. فقد أُعجِب بعض الناس بأعماله، لدرجة أنهم رفضوا أن يصدقوا أن كاتبًا من ستراتفورد ـ أبون ـ آفون قد كتب هذه الأعمال.